التعبير بدون حرية. التعبير قبل الحرية. التعبير كاف في حد ذاته. لديَّ القدرة على التعبير... حتى عندما جُرِّدتُ من حريتي. بدون القدرة على التعبير ليس ثمة حرية. المرء يعبِّر عن السخط والاحتجاج والمطالب والثورات. المرء يعبر عن الحرية. كلمة “Dégage” (تحرير) يجب أن تُلفظ أو تُكتب على لوحة إعلانية للحث على أداء فعل. غياب التعبير هو عدم وجود.
مرت عشر سنوات تقريبا منذ إيداع الصحفي والكاتب داويت إسحق السجن في إريتريا. وباستثناء فترة قصيرة من الحرية في عام 2005 فقد ظل مسجونا منذ ذلك الحين، في حُفَرٍ شتّى من الجحيم متنكرة على هيئة سجون. وقيل إن هناك أكثر من 300 سجن في هذا البلد. معاملة السجناء لا رحمة فيها. التعذيب ليس من الأمور غير المألوفة. بعض المساجين يُحبسون في سراديب تحت الأرض كسراديب قبور الموتى، وآخرون في حاويات شحن عديمة التهوية والتي يمكن أن تصل درجات الحرارة داخلها إلى خمسين درجة مئوية. ويكبَّلون بالأصفاد، بالمعنى الحرفي للكلمة، لمدة 23 ساعة يوميا، ويُمنع عنهم الزوار أو حتى الاتصال ببعضهم البعض. ولا يُسمح حتى للحراس بالتحدث إليهم. بعض السجون تكاد تكون أكثر من معسكرات للموت، إلى حيث يؤخذ الناس ولا يرجعون منها أبدا. يموتون ويُدفنون ويُنسون.
في حلقة دراسية دولية عُقدت منذ عهد قريب حول وسائل الإعلام، أكد أحد الخطباء في كلمته على الدور المرتقب للهواتف الخلوية وشبكة الإنترنت عموما، والرسائل النصية و"السقسقة" (نشر الرسائل القصيرة عبر منصة الإعلام الاجتماعي تويتر) خصوصا، بصفتها عناصر ديناميكية جديدة "للأخبار العاجلة" بصحافة المواطنين عبر الكرة الأرضية. لكنه لم يتصور الدور الثوري للرسائل النصية القصيرة (SMS) والشبكتين الاجتماعيتين تويتر وفيسبوك في إطلاق ومساندة التغيير السياسي الديمقراطي في المجتمعات القمعية والمغلقة.
التنبؤ بالمستقبل يتطلب التحديق في الكرة البلّورية السحرية التي يُضرب بها المثل، ولكن في الجزء الذي أنتمي إليه من العالم سيكون من الأنسب القول إن الأمر يتطلب رمي عظام الكهانة. وفيما يتصل أيضا بالمكان الذي آتي منه، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للناشرين هو الكفاح من أجل بناء تقاليد وطنية وقارية تحترم فيها السلطات حق النشر. وبالتالي، دعوني أقول إن العظمة الأولى هي عظمة بالمعنى الحرفيّ للكلمة - إنها ترمز لطبيعتنا الجوهرية والعالمية ككلب حراسة.